المقدِّمة
تُعدّ الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية الإطارَ الأوسع والأشمل الذي يؤهّل الأخصائي الاجتماعي للعمل عبر أنساق متعددة — من الفرد إلى الأسرة إلى الجماعات الصغيرة وصولًا إلى التنظيمات والمجتمعات — مستخدِمًا معارف نظرية ومهارات مهنية وخبرات ميدانية متنوعة. في هذا المقال نعرض تعريف الممارسة العامة، ونقارنها بالممارسة العامة المتقدمة كما تناولها السنهوري، ثم نبرز أهمية التوجه المتقدّم، ونختم بخلاصة واستنتاجات تطبيقية.
(1) مفهوم الممارسة العامة
عرف تولسون (Tolson) الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية بأنها: "قدرة الأخصائيين الاجتماعيين على العمل مع مختلف الأنساق مثل الأفراد والأسر والجماعات الصغيرة والتنظيمات والمجتمعات مستخدمين إطاراً نظرياً انتقائياً يتيح لهم فرصة اختيار ما يتناسب من استراتيجيات وأساليب للتدخل مع مشكلات هذه الأنساق."
هذا التعريف يبرز نقطتين مركزيتين في الممارسة العامة: أولًا تعدّد الأنساق التي يتعامل معها الممارس؛ وثانياً المرونة النظرية والمنهجية التي تسمح للاختيار الانتقائي للاستراتيجيات وأساليب التدخل المناسبة لسياق كل حالة.
(2) الفروق بين الممارسة العامة و«الممارسة العامة المتقدّمة» — عرض وتحليل من وجهة نظر السنهوري
أ. الممارسة العامة (General Practice) — سمات ومحاور
- تركيز على المشكلة والحاجة الإنسانية: يؤكد منظور الممارسة العامة أن تركيز الأخصائي يجب أن يكون على المشكلات الاجتماعية والحاجات الإنسانية بدلًا من تفضيل المؤسسة لطريقة خدمية محددة.
- شمولية الأنساق: الممارسة العامة أسلوب موحد يصلح للتطبيق عبر مختلف أنساق العملاء (فرد، زوجان، أسرة، جماعة صغيرة، منظمة/مؤسسة، مجتمع محلي إقليمي أو عالمي).
- مناسبة لمرحلة البكالوريوس: يتفق السنهوري مع مجلس تعليم الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة على أن تعليم الممارسة العامة هو الشكل الملائم لدرجة البكالوريوس، كونها توفر الأسس المهنية الأولى للأخصائي الاجتماعي.
- التعدد الوظيفي ومستويات العمل: تشتمل الممارسة العامة على قدرة الأخصائي على العمل على مستويات متعددة والقيام بأدوار مختلفة متنوِّعة، بالإضافة إلى تقييم الممارسة.
- شمولية في أساليب التدخل: تتضمن الكفاءة في الممارسة المباشرة (كالإرشاد والتدخل العلاجي) والممارسة غير المباشرة (كالعمل على مستوى السياسات أو الشبكات المؤسسية).
ب. الممارسة العامة المتقدّمة (Advanced General Practice) — سمات ومحاور
- اتجاه حديث ومتطوّر: تعدّ الممارسة العامة المتقدمة من أحدث التوجهات في الخدمة الاجتماعية التي تعمل على تعميق الممارسة المهنية.
- الاختصاص والتركيز الموضوعي: يتم اختيار مجال محدد للممارسة — مثل فئة عمرية، مشكلة اجتماعية معينة، أو فئة معرضة للخطر — وبذلك تصبح الممارسة بمثابة هوية تخصصية في مجال محدد من مجالات الخدمة الاجتماعية.
- عمق المعرفة والمهارة: هي ممارسة على مستوى متقدّم تتّسم بدقة ومعرفة أعمق مما تتطلبه الممارسة العامة التقليدية.
- تعامل مع قضايا فنية معقّدة: تتصل بالقضايا الفنية الأكثر تعقيدًا والتي تحتاج إلى أدوات تقييم وتدخل متقدمة.
- ارتباط بالأهداف العامة للمهنة: تشمل تنمية قدرات الأفراد، ربط الناس بالموارد الرسمية وغير الرسمية، زيادة الرعاية المؤسسية، والتأثير في السياسة الاجتماعية وتعزيز العدالة الاجتماعية.
ج. مقارنة موجزة بين المستويين
- العمق والمعرفة: الممارسة العامة المتقدمة أعمق من الممارسة العامة وتستلزم معرفة متخصصة.
- المؤهل الأكاديمي الملائم: البكالوريوس مناسب للممارسة العامة؛ بينما الماجستير والدكتوراه ملائمان للممارسة العامة المتقدمة.
- نطاق التطبيق: الممارسة العامة تقدم أسسًا عامة قابلة للتطبيق عبر مجالات متعددة؛ أما الممارسة المتقدمة فهي مرتبطة بمعارف ونماذج تدخل مهنية متخصصة بمجال واحد (مثل رعاية الشباب، رعاية المسنين، الخدمات المدرسية، خدمات العاملين…الخ).
(3) أهمية اتجاه الممارسة العامة المتقدمة في الخدمة الاجتماعية
- تعقيد المشكلات المعاصرة: المشكلات التي يواجهها الأخصائيون أصبحت أكثر تعقيدًا وتطلب مهارات ومعارف أوسع للتعامل معها بفاعلية.
- منظور شمولي للتدخل: توفّر الممارسة العامة إطارًا شموليًا لتقدير المواقف وتشخيصها ثم التدخل المهني بما يكفل عدم تجزئة المشكلة.
- قَصور المداخل الأحادية: المداخل التقليدية الأحادية قد تفشل في التعامل مع مشكلات متعددة الجذور، لذا تبرز الممارسة العامة كوسيلة لربط الأنساق المختلفة وفهم المسببات عبر مستويات متعددة.
- أهمية تحليل الأنساق المتعددة: لا تتركز المشكلات بطبيعتها على نسق واحد؛ لذلك يتطلب تقييم الأسباب والاختيار التدخلي العودة إلى عدة أنساق لتحديد التدخل الأنسب.
- التكامل بين أنساق المشكلة وفِرَق العمل: يسعى التوجّه المتقدم إلى إيجاد تكامل بين الأنساق التي أنتجت المشكلة (من ناحية) وفِرَق العمل المتعددة التخصصات التي يمكن الاستعانة بها (من ناحية أخرى)، مما يرفع من فرص نجاح التدخّل واستدامته.
(4) دلالات تطبيقية ومنهجية للممارس الاجتماعي
- اعتماد الإطار الانتقائي: على الأخصائي اختيار النظريات والاستراتيجيات التي تتناسب مع خصوصية الأنماط والسياقات، لا الاعتماد الحرفي على نموذج واحد.
- التكوين المهني المستمر: الانتقال إلى ممارسة متقدمة يتطلب برامج تعليمية وتدريبية على مستوى الدراسات العليا، وتدريب ميداني متعمّق.
- التعاون متعدد التخصصات: تصميم خطط تدخلية تتضمن شركاء من مجالات الصحة، التعليم، القانون والاقتصاد لاقتراب شامل من المشكلة.
- المناصرة وصياغة السياسات: ضرورة ربط الممارسات الميدانية بجهود المناصرة لتأثير السياسات على أسباب الجذور الاجتماعية.
- التقييم المستمر: دمج أدوات تقييمية كمية ونوعية لقياس أثر التدخلات وإعادة صياغتها حسب النتائج.
الخاتمة
الممارسة العامة تشكّل اللبنة الأساسية في تأهيل الأخصائي الاجتماعي للعمل عبر أنساق متنوعة وبأساليب مرنة وانتقائية. ومع تطوّر الحاجة إلى دقّة معرفية ومهارية، برزت «الممارسة العامة المتقدمة» كتوجّه مكمل يُعمّق المعرفة ويختصّ بمجالات محددة لمواجهة مشكلات معقّدة. لذا، مطلوب من المؤسسات التعليمية والتدريبية والممارسين تبنّي ممارسات توازن بين الشمولية الأساسية والعمق الاختصاصي، بما يضمن فاعلية التدخلات واستدامة الأثر الاجتماعي.